مدينة أنطاكية

مقدمة:

تقع المدينة على الضفة اليسرى لنهر العاصي على بعد 30 كم من شاطئ البحر. تتبع لواء الإسكندرونة (هاتاي) في تركيا منذ 1939 بعد أن كانت سوريّة.

تعتبر مدينة أنطاكية إحدى أهم المدن في تاريخ سورية حيث أنها كانت عاصمة سورية قبل الفتح الإسلامي في القرن السابع، وما زالت حتى الآن عاصمة للكنائس المسيحية الشرقية. دُعيت مدينة أنطاكيّة بلقب “مهد المسيحية” ولقببت أيضًا “تاج الشرق الجميل”، ودعي المؤمنون بالمسيحية بإسم مسيحيين أول مرة في مدينة أنطاكية. وفي هذه المدينة التي كانت عاصمة الشرق بنيت كنيسة الامم الاولى سنة 35 على يد زعيم الحواريين مار بطرس قبل تأسيس كنيسة روما.

في سنة 539 اقتسمت سياسة كرسيها بين بطريرك الخلقدونيين أو الملكيين وبطريرك السريان. وسنة 685 ظهرت بطريركية الموارنة بحسب البطريرك الدويهي. ثم قامت عام 1098 بطريركية اللاتين التي بطلت أن تكون فعلية بسقوط انطاكية بيد الملك الظاهر. ومن ذاك العهد اصبحت شرقية واخذ احبارها يجلسون بالتسلسل تارةً في عاصمة الكثلكة وتارةً في سواها. ثم ظهرت بطريركية السريان الكاثوليك في 19 نيسان 1662. اما بطريركية الملكيين فقد جرى الانفصال نهائيًا بينها وبين روما في القرن الحادي عشر وسمي اصحابها بعد ذلك الروم الارثوذكس. وفي 30 ايلول 1734 نشأت لديهم بطريركية اخرى مستقلة عن الاولى ومشتركة بالايمان مع الكرسي الرومانيّ ودعيّ تبّاعها بالروم الكاثوليك.

ومن جميع البطاركة الستة الانطاكيين لا يوجد الآن واحدُ جالس في عاصمة الكرسي الرسمية بل اتخذ كل منهم مقرًا خاصًا به بين ابناء طقسه وخارجًا عن المدينة الاصليّة[1].

مدرسة انطاكية[2]:

يقسم تاريخ مدرسة انطاكية الى ثلاث حقب:

• حقبة التأسيس (290-370): يعزى تأسيس المدرسة الانطاكية الى القسيسين (لوقيانوس ودورثاوس) وكان كلاهما عالمين كبيرين ضالعين في علم الكتاب المقدّس، وقد انتهت حياة هذين الفاضلين بالاستشهاد سنة 312 في مدينة نيقوميدية (ازمير) وقد تتلمذ على يديهما كثير من التلاميذ واشهرهم اوسابيوس أسقف حمص (359).
• حقبة الشهرة(370-430): بدأ حقبة شهرة المدرسة الانطاكية لعهد فلابيانوس الاوّل اسقف انطاكية (404) ويرجع الفضل فيها الى ديودوروس اسقف طرسوس وتعاليمه، الذي كانت طريقته بتفسير الكتاب المقدّس ترمي إلى المعنى اللفظي دون المجازي. ومن أشهر تلاميذه مار يوحنّا فم الذهب وثاودوروس المصيصي.
• ومن كواكب تلك المدرسة اللامعة بوليكرونيوس اسقف افامية سورية (قلعة المضيق) 430، وثاودوريطس اسقف قورش (458) وكلاهما فسّر الكتاب تفسيرًا يخلو من مزيّة الابداع.
• حقبة الانحطاط (بعد سنة 430): بدأت حقبة الانحطاط منذ نشأ المعروف بالنسطوري الذي أعقب سقطة المدرسة فقصر علماؤها عن ادراك معاني الكتاب المقدّس اللفظية لجهلهم اللغة العبرية وخلت تآليفهم من مزايا التعمق والابداع ومن أشهرهم الانبا مرقس العصري والقديس نيلس راهب طور سينا 430 تلميذ الذهبي الفم. وهكذا عاشت المدرسة الانطاكية نحو مائة وخمسين سنة وانجبت علماء مشاهير برزت عنهم مصنفات كثيرة وحفظ التاريخ أسماء ثلاثين رجلاً من نوابغها كلّهم من ائمّة الدين.

[1]  فيليب دي طرّازي، السلاسل التاريخية في اساقفة الابرشيات السريانيّة، المطبعة الادبية، بيروت 1910، 10.

[2]  غريغوريوس يوحنّا ابراهيم، منارة انطاكية السريانيّة، مطابع ألف باء الاديب، دمشق 1992، 8-11.