مار أفرام السرياني
حياة مار أفرام:
نشأة مار أفرام:
وُلِد مار أفرام في نصّيبين في مطلع القرن الرابع من أبوين مسيحيين. كانت مدينة نصّيبين سريانيّة, لغة وحضارة, وكانت مدينة الحدود الفاصلة بين دولتي الروم وفارس, وهي اليوم داخلة في الأراضي التركية وقريبة من القامشلي. وبسبب موقعها على الحدود كانت تتعرّض لحروب طاحنة. ويروي مار أفرام في إحدى كتاباته إنّ والديه ثقفاه في الإيمان المسيحيّ وربّياه على مخافة الله, وحدّثاه عمّا سبق, إذ إنّهما كابدا مرّ العذاب في سبيل الحفاظ على الإيمان وحبّ السيّد المسيح.
قصد مار أفرام أسقف المدينة, مار يعقوب. فأكبّ على الدرس والمطالعة وتعمّق في مطالعة الكتاب المقدّس, وأتقن اللغة السريانيّة وآدابها. وكان مار يعقوب ناسكاً وفاضلاً, فاختير ليكون أسقف على نصّيبين, وعلى يد هذا الأسقف الناسك تدرّج مار أفرام في مبادئ العقيدة المسيحية وتعمّق في أصول العلم الدينيّ وفروعه.
وقد أحبّ أفرام أستاذه مار يعقوب واستفاد كثيراً من علمه الروحيّ. وفي سنة 325 رافقه إلى المجمع المسكونيّ في نيقية, حيث كان له لقاءات مع مفكِّري الكنيسة.
أسّس مار يعقوب في نصِّيبين مدرسة لاهوتيّة وسلّم زمام التعليم فيها إلى تلميذه أفرام الشماس. وفي هذه المدرسة نظم أفرام القصائد والأناشيد التي تعرف بالنصيبينيّة, وتُعدّ صوراً رائعة لذلك العصر في تلك المنطقة.
رهبنته:
تنسّك على أثر دخوله في مدرسة مار يعقوب أسقف نصّيبين. وقد أتمّ نذوره الرهبانية الثلاثة: الطاعة أي أن يخضع لإرادة معلمه خضوعاً لإرادة الله, والفقر الاختياري وهو ألاّ يملك شيئاً من متاع الدنيا, والبتولية وهي ألاّ يتزوج ويصون نفسه عفيفاً في سبيل الربّ. وكان أفرام لا يأكل سوى خبز الشعير والبقول المجفّفة, ولا يشرب سوى الماء, ولا يلبس إلا أطماراً بالية.
هكذا كانت الحياة الرهبانيّة لأفرام الراهب حياة مكرَّسة للربّ, لكن لم تكن الرهبانيّة تصوفاً وانقطاعاً عن العالم وصوماً وصلاةً فقط, بل كانت خدمةً للإنسانية ووسيلة لحفظ التراث القوميّ, لذلك فهو جعل من الأديرة مركزاً مهمّاً للعلم والمعرفة.
هجرته إلى الرّها ورسالته في مجال الثقافة الدينيّة:
عندما سُلِّمت نصّيبين إلى الفرس سنة 363, هجرها أفرام وبرفقته نخبة من أساتذة مدرستها وتلامذتها. واستقر بعد ذلك في الرّها, التي كانت أشهر مدن بلاد ما بين النهرين العليا ومركزاً للتجارة بين بلاد الغرب وآسيا الوسطى, وكانت لغتها السريانيّة, وهي اليوم تحت الحكم التركيّ وتسمّى أورفا.
في الرّها تفرّغ أفرام للتدريس في مدرستها, فدرّس الكتاب المقدّس شرحاً وتفسيراً, وبذلك يكون أقدم من فسّر الكتاب المقدّس عند السريان. وفي الرّها ناهض أفرام من خلال تعليمه اللاهوتي البِدع الدينيّة والهرطقات العقائديّة حيث قال في أحد أناشيده عن مرقيون أحد المبتدعين الذي طرده أبوه الأسقف لفساد سيرته وانحراف تفكيره المسيحي:
” إن الشيطان أضلّ مرقيون وأصابه بالجنون فاحتقر صانعه واستصغر خالقه.”
وكان بعض المبتدعين يضلّلون الناس بالاعتماد على الأناشيد الجميلة فحاربهم أفرام بسلاحهم ونظم أناشيد على أوزان أناشيدهم ولقّنها الفتيان والفتيات. وهكذا ارتسخت أناشيده في قلوب الشبيبة فرتّلوها في الكنائس والبيوت والأسواق, وخزي أتباع المضللين.
رسالته في مجال الطقوس الدينيّة:
اهتمّ مار أفرام بالحياة الطقسيّة في الكنيسة إذ أدخل إليها أناشيده المنظومة على ألحان خاصّة. كما نظّم جوقة مختارة من فتيات الرّها اللواتي علَّمهن ما اقتبسه من الأنغام الموسيقية وما نظمه من القصائد الروحيّة والتراتيل التي ضمّنها العقائد الدينيّة وناهض بها الهراطقة. وقد صارت أناشيد أفرام وأشعاره جزءاً لا يتجزأ من الطقس الكنسيّ في حياته وما تزال الكنيسة السريانية تترنّم بها صباح مساء.
وإلى مار أفرام يعود فضل تنظيم الحياة الطقسيّة في الكنيسة السريانيّة وتنظيم الجوقات الكنسيّة التي تشنِّف اليوم آذان المؤمنين في الكنائس وتخلق في نفوسهم الخشوع وتساعدهم على التعبّد للربّ والاهتداء إلى الإيمان الأفضل.
آثاره الأدبية:
كانت لغة مار أفرام السريانيّة نقيّة صافية خالية من الشوائب, غنيّة واسعة, وأداة طيّعة التعبير عن مختلف الأهداف الفكريّة.
مؤلفاته النثريّة:
تناول الكتاب المقدّس بعهديه شرحاً وتفسيراً, وقد اعتمد الترجمة البسيطة. ولكثرة شروحه صرّح بعضهم أنّه لو ضاعت ترجمة الكتاب المقدّس السريانيّة الأصليّة لتيسّر جمع نصوصها من تصانيف مار أفرام.
مؤلفاته المنظومة:
نظم مار أفرام على البحر السباعيّ الذي يكون الموقف فيه عادة بعد المقطع الثالث أو الرابع. وارتأى بعضهم أنّ مار أفرام قد استنبط البحر السابع الذي يُمى أيضاً بالأفراميّ.
وتناول شعره شتّى المواضيع الدينيّة: العقائديّة والروحيّة فمجّد السيّد المسيح ومدح العذراء مريم والأبرار والصالحين وحثّ النفس الخاطئة على التوبة وهجا الكفرة وعنّف أصحاب البِدع وأكثر من سرد الحِكَم.
حدث جفاف رهيب في الرّها سنة 372 – 372 عندما انحبست الأمطار وحلّ جوع كبير وظهر الغلاء الفاحش ومات عدد غير يسر من أهلها جوعاً. فأخذ يؤسس دوراً يجمع فيها المشرّدين والعجزة. وكان يشرف بنفسه على الاعتناء بهم, واستمرّ عمله هذا سنة كاملة إلى أن انتشر وباء الطاعون بعد المجاعة فاندفع في تطبيب المرضى ومواساتهم حتى أُصيب هو أيضاً بداء الطاعون. واحتمل آلامه المبرحة وفاضت روحه الطاهرة في 9 حزيران بعد أن عاش سبعين عاماً. وقد أعلن البابا بندكتوس الخامس عشر ( 1914 – 1922 ) مار أفرام السريانيّ شمّاس الرّها معلماً من معلمِّي الكنيسة الكاثوليكية شرقاً وغرباً.
المصدر: مار أفرام السرياني – بقلم الأب يوسف بربي اليسوعي – دار المشرق – بيروت
المقالات المنشورة على صفحات المجلّة تُعبّر عن آراء كتّابها، لا عن رأي المجلّة.
مكتبة الفيديو
- الطوباوي مار فلابيانوس ميخائيل ملكي28 أغسطس، 2019
- حكاية القديس يوحنا الحبيب8 مايو، 2019
- سمعان الشيخ1 فبراير، 2019
- قصة القديس يوحنا الدمشقي4 ديسمبر، 2018
- الشهيد الطوباوي مار فلابيانوس27 أغسطس، 2018
أحدث المقالات
- من كتاب العمر لو حكىفي غير مصنف10 يونيو، 2021لا توجد تعليقات
- من كلمات البابا فرنسيس للكهنة في استقباله تلامذة المعهد الكهنوتي الفرنسي في روما8 يونيو، 2021لا توجد تعليقات
- تأمّل – لأجل كلمتكفي تأملات4 يونيو، 2021لا توجد تعليقات
- من تحسب نفسك؟في تأملات1 يونيو، 2021لا توجد تعليقات
- اليوبيل الذهبي في العمل الرسولي للمطران مار يوحنّا جهاد بطّاح28 مايو، 2021لا توجد تعليقات
- غبطة أبينا البطريرك يحتفل بالقداس الإلهي ويرسم شمّاسين جديدين (الدرجات الصغرى)، حلب، سوريا22 مايو، 2021لا توجد تعليقات
أحدث التعليقات
- Rasha على فلسفة التجلي
- فؤاد نعمة على لمحة عن دير الشرفة
- حيدرعواد على لماذا اختار النبي ايليا 12 حجراً وقال استجبني يارب؟
- fr. daniel على سدرو الاحد الرابع بعد العنصرة
- الشماس موريس خوري على نصلي لأجل آباء سينودس أساقفة كنيستنا السريانية الكاثوليكية الأنطاكية
التقويم
ن | ث | أرب | خ | ج | س | د |
---|---|---|---|---|---|---|
« يونيو | ||||||
1 | ||||||
2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 |
9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 |
16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 |
23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 |
30 | 31 |