سيرة حياة البطريرك السرياني أندراوس أخيجان عبد الغال
سيرة حياة البطريرك السرياني أندراوس أخيجان عبد الغال ( 1612 – 1677 )
أبصر النور في ماردين من أبوين يعقوبيين عام 1612, وانتقل منها إلى حلب مع ذويه وهو في سن الشباب, وكان في حلب ما يربو على أربعة آلاف نسمة من السريان الأرثوذوكس, وكان المرسلون الكبوشيون والكرمليون واليسوعيون يسعون بكل غيرة لضمّ هذه الطائفة إلى الكنيسة الكاثوليكية. وانصرف الشاب اخيجان إلى مطالعة كتب العرافة والتنجيم وكان له ولع في التنقيب عن الكنوز الخفية ودرس علم الكيمياء. وذات ليلة, إذ كان مكبّاً على مطالعة الكتب السحرية, خيّل إليه انه يسمع صوتاً عالياً يناديه قائلاً: (( ما بالك تطلب الكنوز الأرضية الزائلة؟ اطلب الكنز السماوي الذي لا يزول)).
فقصد في الغد دير الآباء الكرمليين وفاتح رئيسه بما حدث له. فحثّه على التوبة وأمره بالكفّ عن مطالعة الكتب الخرافيّة وبحرق ما في حوزته منها.
فامتثل للأمر وجمع هذه الكتب وأضرم فيها النار بحضرة مرشده, ثم أقر بخطاياه, وراح يتردد على دير الآباء الكرمليين وغيرهم من المرسلين. فشعر بميل إلى الحياة الرهبانية وطلب أن يقبل في عداد الرهبان.
دروسه في المدرسة المارونية وسيامته الكهنوتية:
وإذ توسم فيه مرشده الأب برونو صفاء النيّة وصدق الدعوة أقنعه بالسفر إلى لبنان, وزوّده بكتاب إلى البطريرك الماروني يوسف جليب العاقوري, الذي قبله في سلك الرهبان في روما سنة 1646 مع أربعة من الطلاب. تعرف خلال هذه الفترة إلى اسطفان الدويهي وتوثقت بينهما عرى الصداقة, وكان اخيجان فصيح اللسان وضليعاً بالعربية والسريانية والتركية.
ما أن أنجز دراسته في روما حتى عاد إلى حلب ملتهباً شوقاً لخدمة بني قومه ونشر العقيدة القويمة فيهم. فكان يرشد الشعب دون أن يخالط السريان الأورثوذوكس ويقضي معهم فرائض العبادة في الخفية بمؤازرة المرسلين. ولما اخذ أهله بمناصبته العداء, لم يسعه المكوث في الشهباء, فالتجأ إلى قنصل فرنسا فرنسوا بيكه الذي أرسله إلى البطريرك يوحنا بوّاب الصفراوي في قنوبين واقتبل منه درجة الكهنوت على كنيسة سيدة النياح في حلب سنة 1648 واتخذ اسم اندراوس.
اسقفيته:
فيما كان معتكفاً على الصلاة وتحصيل العلم اتجهت إليه الأنظار لكي يكون اسقفاً على كرسي حلب للسريان. لما توفي المطران ديونوسيوس قسطنطين, وكان قد اهتدى بمسعى الآباء الكبوشيين وأرسل إلى البابا اربتنوس الثامن دستور إيمانه بتاريخ 12 آذار 1641. تفاوضت العيال السريانية المنضمة إلى الكرسي الروماني مع المرسلين بشأن خلف للأسقف المتوفى مطالبين براعٍ يهتم بشؤونهم. تمّت السيامة للمطران الجديد سنة 1656 في دير قنوبين في جبل لبنان واتخذ اسم ديونوسيوس.
توجه المطران ديونوسيوس اندراوس إلى حلب يصحبه القس اسطفان الدويهي الذي حضر الشهباء لإلقاء المواعظ على أبناء الطائفة المارونية. فوصلها في 16 تموز 1656., ودخل المطران اندرواس كنيسة السريان في 9 آب 1656 وسط أهازيج المؤمنين. جاء الفرمان السلطاني للمطران الجديد بتاريخ 7 تشرين الثاني 1656.
انصرف المطران إلى إرشاد الشعب, وكان يجمع كاف رؤساء الطوائف المسيحية في حلب للبحث معهم في أمور الدين والعقائد المسيحية. وفي 28 كانون الثاني 1659 وردت براءة التثبيت من الحبر الأعظم على كرسي حلب, فردّ عليها بشكره وخضوعه.
بطريركيته:
في أواخر1661 توفّي البطريرك شمعون في ماردين. فقصد وجهاء الشعب السرياني الكاثوليكي في حلب الوالي طالبين منه أن يرفع مضبطتهم إلى جلالة السلطان محمد الرابع لكي يصدر أمرأ بتعيين المطران اندراوس بطريركاً شرعياً ويلزم الشعب السرياني بالخضوع له.
أعطيت براءة شاهانية تأمر الشعب السرياني بالخضوع للبطريرك اندراوس في كل أنحاء الدولة العثمانية, وقرأ الوالي البراءة في كنيسة حلب وأمر بتنصيبه بطريركاً بكل أبّهة وحضر الاحتفال جمهور الشعب والاكليروس وبطريركا الروم والأرمن في 2 آب 1662.
فور استلامه زمام الرئاسة وجّه البطريرك الجديد, الذي اتخذ اسم اغناطيوس اندراوس الأول, دستور إيمانه وخضوعه للبابا اسكندر السابع طالباً درع التثبيت.
تجرده وحبه للبؤساء:
كان البطريرك اخيجان مشهوراً بقداسته وتقشفه, فعرف بالبطريرك القدّيس. ولما حدثت مجاعة وغلاء في البلاد واحتاج إلى الغوث كتب في 11 شباط 1663 إلى الملك لويس الرابع عشر يلتمس منه الإسعاف للفقراء ولشعبه, وقد دامت هذه المجاعة التي حلّت في حلب مدة سبع سنوات, فوزع كل ما لديه على المعوزين. فأرسل الله إليه محسناً آخر نقده سبعة أكياس من المال وزعها على المحتاجين من مسيحيين ومسلمين ويهود.
ومن مآثره انه رعى تأسيس جمعية راهبات في حلب وكان أول من انضم إلى تلك الجمعية أربع ارمنيات وثلاث مارونيات عهد ادارتهن الى الآباء الكبوشيين, وحوالي 1670 بلغ عدد المنتميات إليها 23 راهبة احتفل البطريرك بتوشيح السريانيات منهن الثوب الرهباني حسب الطقس السرياني وكانت حياتهن القشفة موضوع إعجاب لكل من زارهنّ.
انتقل البطريرك اخيجان من هذه الدنيا في 24 تموز 1677 إثر مرض قصير بعد أن قضّى على الكرسي البطريركي نحو 15 عاماً. فبكاه أبناؤه وأسفت لوفاته كل الطوائف المسيحية, ودفن جثمانه في كنيسة السيدة. ونقل رفاته إلى روما خلفه البطريرك السادس شاهبادين, وأودعها كنيسة القديس يوحنا اللاتيراني.
آثاره
كان البطريرك اخيجان يجيد اللغات العربية والسريانية والتركية فضلاً عن إلمامه باللاتينية والايطالية والعبرية. وكان له اطلاع واسع في الطقوس السريانية وقد ضبط صلوات الأسبوع الاشحيمية وكتاب القداس السرياني نسخ الأول عام 1666, وكتاب توزيع الأسرار, وخدمة القداس. وله غيرها من الكتب الطقسية بعضها في خزانة المطرانية السريانية في حلب وبعضها محفوظ في مكتبة مخطوطات دير الشرفة.
الكاتب: المطران جوزيف ملكي
المقالات المنشورة على صفحات المجلّة تُعبّر عن آراء كتّابها، لا عن رأي المجلّة.
مكتبة الفيديو
- الطوباوي مار فلابيانوس ميخائيل ملكي28 أغسطس، 2019
- حكاية القديس يوحنا الحبيب8 مايو، 2019
- سمعان الشيخ1 فبراير، 2019
- قصة القديس يوحنا الدمشقي4 ديسمبر، 2018
- الشهيد الطوباوي مار فلابيانوس27 أغسطس، 2018
أحدث المقالات
- من كتاب العمر لو حكىفي غير مصنف10 يونيو، 2021لا توجد تعليقات
- من كلمات البابا فرنسيس للكهنة في استقباله تلامذة المعهد الكهنوتي الفرنسي في روما8 يونيو، 2021لا توجد تعليقات
- تأمّل – لأجل كلمتكفي تأملات4 يونيو، 2021لا توجد تعليقات
- من تحسب نفسك؟في تأملات1 يونيو، 2021لا توجد تعليقات
- اليوبيل الذهبي في العمل الرسولي للمطران مار يوحنّا جهاد بطّاح28 مايو، 2021لا توجد تعليقات
- غبطة أبينا البطريرك يحتفل بالقداس الإلهي ويرسم شمّاسين جديدين (الدرجات الصغرى)، حلب، سوريا22 مايو، 2021لا توجد تعليقات
أحدث التعليقات
- Rasha على فلسفة التجلي
- فؤاد نعمة على لمحة عن دير الشرفة
- حيدرعواد على لماذا اختار النبي ايليا 12 حجراً وقال استجبني يارب؟
- fr. daniel على سدرو الاحد الرابع بعد العنصرة
- الشماس موريس خوري على نصلي لأجل آباء سينودس أساقفة كنيستنا السريانية الكاثوليكية الأنطاكية
التقويم
ن | ث | أرب | خ | ج | س | د |
---|---|---|---|---|---|---|
« يونيو | ||||||
1 | ||||||
2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 |
9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 |
16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 |
23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 |
30 | 31 |